قيس مهرج شفع له شعره، و روميو بعين شكسبير صار غزالاً. عندما يشتد في المرء حب، و هو ما ينتج تقليدياً -أو فطرياً- من حرمته، يقترن اسم ذكر بأنثى قرانا أسطورياً بقدر زيفه. فتخلدهما ذاكرة المعاصرين و أعقابهم معاً بينما يعيشان في واقعة فاتت تعيسان بعد دراما من الكبرياء و القرب و البعد. و هكذا يكون الخيال فكراً يعزي ما سبق باشتباه الحدوث، أو المعاودة المتغيرة
إن العزوف عن فعل الحب إلى التفكير أو التأمل فيه بشارة لارتقاء الإنسان، و لكن بعد حين يبدأ الإنسان يشخص أفكاره و يسميها، و يكاد يقارن فعل الحب معها. فالكمال إذن من صنع الإنسان، و يصف الإنسان حبيبه بالكمال. اقتران الإنسان بالمثال الفكري هو نسيج الأخلاق الذي يغزل من خيط مُتخيَل و آخر محسوس. نعم، هذا وصف مثالي لسير الأمور، و على حد ملاحظتي أن المثالية ليست رأياً عاما و لكنها نزعة إلى تعميم الرأي
تحويل المُثُل إلى أوصاف و أسماء لأشخاص عند العرب يدعو لدوام الشك في المعاني
و لا أقصد في العزوف عن فعل الحب اللافعل، فذلك كالفعل و قد يزيد تكلفاً عليه، إنما العزوف الكامل ما أقصد، بلا مقاومة لفعل، كالرهبنة و التصوف، و قد نستطيع القول أن أفعال الحب تعيش في فضاء من فكر الرهبنة و التصوف ما ابتعد الفكر عن الطقوس و الشعائر. أفعال الحب تعيش ثم تموت لكن الفكر يبقى و يخلد، و لذلك فنحن غالبا ما نرغب بآلة الزمن لاستعادة إحساس، لا لاستعادة فكرة
تصوير الحب، و لو كان في عين قيس و روميو لابد يظهر كالمهرج، لكنه مهرج كثيف بالصور -لا بالمشاعر- إلى حد لا يمكنه من مخاطبة أية حاسة من حواس الجسد، هو مخلوق للفكر و الذاكرة و الخيال، لأنه فعل لا يقترح مسايرة فكرية، فهو منفصل زمنياً عن الفكر و الذاكرة و الخيال، الفعل محفز لفكر مؤجل أو مقدم، قد يصدف و يلتقيان، مجاليهما متوازيين، و نتخيل جدليتهما
While reading Bergsonism by Gilles Deleuze.