Sunday, 14 August 2011

حضور الوهم: استدراك

لقد كتبت يوماً هذه الكلمات في حالة غضب

عندما تعلمت أن القلم سلاح، بدأت به أزخرف الأنداد، ثم صار القلم يشهق روحي ليزفرها ريحاً عجيبة، فإما يكون قتالاً رائعا تتوهج به الدماء داخل الجسد، أو يكون الند محض نفّاخة؛ تحبس الهواء حتى تنفجر أو تذبل، و كلاهما موت. و إما ينفخها ناراً مقدسة، نورها أسطورة سماوية تبشر بدين التوحيد، أو تكون محرقة؛ تحترق بها الروح ليطير الند منطاداً

 و بعد أشهر من كتابتها، ربما بسبب الشمس (على قولة كامو) استدركت غضبي على نفسي حينها، و أسفت على تخيلي بأن في صب الغضب على الآخر طلاق من الغضب، فهو كما قلتُ  في الفقرة المقتبسة "بدأت أزخرف الأنداد" فعلاً زخرفت، أو تخيلت أولائك الأنداد، و استمرت علاقتي بهم تسهب في التوصيف و التحليل لأذكار في خيالي، و الذكر ما اعتدنا تذكره

هو أمر يرجعني إلى فكرة الند، عندما يصعب الصراع بين الإنسان و كل ما اكتسب، يتوهم شخصية، هي شخصية ممن حوله، لكنه يتوهمه حتى لو كان جالساً أمامه، لأن هذا الإيهام يرفي شقوق العجز جراء الصراعات، إن التوهم ليس هروباً من الواقع، فهو يكثف الحاضر، تتداعى له صروف الذاكرة لتلتصق بِشاشته

إن صورة إمداد الكتب للوهم تتجلى في شخصية كمال التي مثلها نور الشريف في فيلم قصر الشوق و في شخصية دون كيخوته التي كتب عنها ثربانتس. كلاهما مصدقان للكتاب، فنَصِف حياتيهما عادةً بالسذاجة، و لكني أراها صورة الوهم في الحاضر. كيف تكون الحياة مسرحاً كبيراً و في كل عقل مسرحية يبصر منها، و أحياناً يؤديها؟ لا أقصد طبعاً أن الحياة مسارح عدة، مللت من مسألة التعدد و التوحد، إنما الحين ما أقصد، الحين الذي سمى به دون كيخوته نفسه و خرج من بيته لابساً قلنسوة، الحين الذي قرر فيه كمال أن يُتم عذرية حبه، الحين الذي قال فيه السياب: مطر

   إذن ماذا يفعل الغضب؟ هل يجعلنا نركض مثل فوريست گمپ، أم ننتحر مثل بوعزيزي؟ هل هو نوع من الغضب أن أقدم للعمل بوظيفة حكومية في أحقر وزارات الدولة؟ ماذا أفعل؟ هو سؤالٌ  لا أطلب فيه حلاً إنما حيلة، الحلول لا تنفع، الحيلة أجمل فسلوكها بين سؤال و جواب، ها أنا أجيب الغضب بالحيلة، ما أضعفني، و ما أقدرني على الحياة

 إن القلم سلاح في نقد صادق، في جلاء فكرة، أو بداية إدراك، لكن القلم يصبح ريشة رقيقة عندما نتنفس أو نشك لا نستطيع به أن نهاجم. نعم، نغضب، لكن الغضب لن يغير أحداً، فهو يطير كالحمام ليرجع إلى برجه، التفاتاتنا هي التي تتغير، مشاهدنا تغير مراغبنا، تغيرنا، لذلك كان المحجوب و المكشوف

في عزلتي الموازية لأحداث العالم من حولي، خضت حروباً كثيرة في السنوات الثلاث الأخيرة، و عندما مر ربيع الثورات، مرت بي موجة الغضب، و للأسف فعلت مثل الثوار. ثرت على حاكم خارج كياني، أنا آسفة، و لكني غاضبة على نفسي التي لا تعرف الحرية، ما فائدة الحرية و العالم ينهار إلى الماضي أمام هذا الفضاء الافتراضي الذي نبنيه، أليست حياتي و أنا أتراسل بالبريد و أتحدث مع أصدقائي عبر الإنترنت أشبه بدون كيخوته الذي تشعر بعد الاستمرار في القراءة أنه مدرك لما يفعل و تنقلب صفة السذاجة عليك 

أجاهلة أنا إن لم أعرف الحرية؟ و لكنني أعرف أنني لا أعرفها. أهكذا تسير الأمور، مثلما الأمثال؟ هي الأمثال هكذا تماثل الأحداث حتى نطمئن. لكني لا أريد أن أغضب على غيري لكي أرتاح، و لا حتى أعرف لكي أرتاح، أريد فقط أن أفعل، فأنا كلما أقدم على فعل، يردني كتاب، في عزلتي أنا ما زلت أنتظر الحين؟ أما أنا للتو أعي من وهم عشته سنين جراء حين فات؟

عندما أبحث هكذا عن المعاني أرغب في تدليك جسمي