Sunday 22 March 2009

التوكل على المفتي تواكل

إن السؤال عن الحكم الديني في الأمور الحياتية يدل على اهتمام السائل و رغبته في إرضاء الله، و لكن كل ما فيه كثرة يعود بالمضرة فقد أوصى الرسول عليه الصلاة و السلام بالابتعاد عن كثرة السؤال و القيل و القال و النوم و الإهمال. و إنني أرى العديد من الناس يستفتون فيطبقون ما قيل بلا تفكّر و أرى في ذلك ضرب من الإهمال و التواكل، فقد أوصى الله في القرآن بالتفكر و الاجتهاد. و ليس ذلك بأن نتبع المجتهدون و لكن بالاستماع إليهم و مناقشتهم برأينا و محاولة الوصول إلى طريقة بيّنة في أسلوب الحياة ليست بالضرورة موافقة لأسلوب حياة الجميع و لكنها تفيد المعنى المراد من كل حكم

هناك من المفتين ما يقول لك الحكم من غير سبب، و إن أعطاه فهو ليس بالضرورة سببا قد يهمك أو يؤثر فيك أو يضرك، فحكم المفتي عام، و حالتك خاصة. جدير بالإنسان أن يسأل و يبحث و يفكر لكن أن يسلم بما قال المفتي شيئا غاية في الخطورة، و قد يؤدي إلى تغييب الضمير و الضابط و المنطق الشخصي، ليكون بعض الناس في أفعالهم أقرب إلى الأحمق الذي ينوي خيرا فينقلب شرا. غالبا ما يذكر رجال العلم بشيء من الدين بالحديث النبوي الذي ينهى الناس أن يكونوا كالإمعة -أي القطيع- الذي تلحق بعضها بعضا، و لكن عادة يتم استعماله لمثال الجري وراء الشهوات و المعاصي، و لا يراعون ذات الإدراك في اتباع الأحكام أو الفتاوي من غير دراية و لا علم

إن هذا الاتباع الأعمى أصغر في نظري قيمة الفتاوي في زمننا هذا و خاصة بعد أن صارت في بعض الأحيان تسويقية، فاذهب لهذا البنك لأنه حلله المفتي الفلاني، أو لا تنتخب هذا المرشح لأنه يتبرع للكنائس و ما إلى غيره من الأمور التي تؤثر على الناس بطريقة قوية لدرجة أني لا أخرج بشيء إن دخلت في نقاش مع أي ممن يتبع ما قال المفتي لشدة تحجر أدمغتهم باتباع ما قيل و "تبرئة الذمة"على حد قولهم في إلقاء الذنب على المفتي في حال أنه أخطأ

يدور هذا في ذهني منذ زمن إلى أن كتبت البارحة في خانة البحث عن أغنية لليلى مراد (أكتب لك جوابات) و أول ما اوردت صفحة البحث هذا الرابط. إن في فتواه طعن لأدب الرسائل، و إنه كبت لمشاعر ليس فيها أذى و لا معصية، أود جدا سؤال هذا المفتي هل الخيال حرام؟ أعتقد إنه يود إلغاء الخيال من طبيعة الإنسان لما فيه من شيطنة و سوء استغلال للعقل، و حتى لو كانت رسالة هذا الخاطب المسكين فاجرة و مليئة بالشهوات، فالرسالة في تركيبها و أسلوبها و تنسيقها ستخبر خطيبته عن العديد من صفاته فلماذا اقترن الحب بالرذيلة؟ إن الرسالة تعبير كتابي عن الذات و ما أجمله و أنبله من تعبير

و خلاصة القول أن ما أؤمن به أن إرضاء الله هو في التفكر في هذه الحياة و في خلقه و محاولة إخراج المعاني السامية و الحقيرة لأن كلاها يدلنا على الحكمة و الحُكم، و لهذا في رأيي أمرنا بالصلاة، ففي الصلاة توحيد للحركات لكي لا تكون الحركات مصدر شغلنا، و فيها الوقت معظّم للتفكير في علاقتنا بأنفسنا و الخالق، لأن الوقت يوما بعد يوم يختلف كما التفكير وكما النفس

6 comments:

عثماني said...

خوش بوست

مشاكلنا اخيتي اننا صرنا من السخافة اننا نهتم بالقشور

وننسى اللب

جزاك الله خير

فعلا خوش كلام

Deema said...

الأخ العزيز عثماني

اي لأنه أسهل

دعاة الدين دائما يقولون أن الدين سهل، فقط اتبع القرآن و السنة، من قال أن هذا سهلا

شكلياته سهلة لكن مضموناته تحتاج عمرا
لهذا شكلياته تلهيك عن مضموناته

بالضبط مثلما الاحداث اليومية تلهيك عن تسلسل التاريخ

شكرا جزيلا

المتهـافت said...

أنا للأمانة فرحان في هذا البلوق
كونه ذو خط متوازن وعقلاني
وفرحتي الكبرى ان من تكتب به امرأة أو فتاة لا فرق
هذا يدل على ان الوعي النسائي في الكويت بخير هذه السنة وانشالله نستبشر بوصول مرشحات لمجلس الأمة بأصوات النساء اللاتي طالما احجموا عن التصويت لشقيقاتهن النساء

ورجوعا لموضوع البوست، أود أن اشير الى ان البعض يعتمد المفتيين كمرجع لأموره الحياتية جميعها، أي ان هذا الشخص اذا عرف ان هذه الفتوة قد صدرت من هذا المفتي فلا يناشقها ويأخذها على علاتها...
لو سلمنا بضرورة الغاء عقلنا واتباع المفتين فعلى الأقل يجب أن نأخذ الفتوة الأصلح لنا ونختار في ذلك "المنيو" الجاهز للفتاوي

وجود المرجعية او الشيخ المعتمد عليه بكل الفتاوي يذكرني بالكنسية المسيحية التي تعتمد هذا القسيس او ذاك ليكون بابا هذه الطائفة والمعتمد من قبلها

هناك من يقول قطها براس عالم واطلع سالم
او خل بينك وبين النار شيخ
وهذا الكلام بالطبع خطير ويشير إلى سلطان المفتيين على العقول واهو اقوى انواع السلطان والسيطرة

الحديث في هذا الشأن قد يطول

تقبلي مروري وتحياتي

Deema said...

المتهافت

تشرفني زيارتك، كما يشرفني أن مدونتي يزورها ناس من أجمل ما يكون

ان الوعي و العلم و الاكتشاف و الربط بين الامور مسألة تطول لو أننا وازيناها مع حياة دولة، فلا يجب أن ننكر وجودها لبطء تطورها، و لا يجب أن نختزلها على حساب حملات أو أحداث سياسية لأننا بذلك سنهمش أمرا عظيما

و ان شاء الله كما تقول تصل امرأة، أو رجل له/لها قدرة على كبح جماح المتمنطقين باللامنطقية، و له/لها قدرة على إصدار قرارات بعيدة المدى، غير وليدة اللحظة

أما بخصوص الموضوع
هناك قوم لا أذكر من أين في البلاد الإسلامية، يطلق عليهم الأرأيتيون، و هو نسبة إلى كلمة "أرأيت" التي تبدأ بها الاستفتاء، و أطلق عليهم ذلك لكثرة أسئلتهم إلى درجة التفاهة، حتى قارب الإفتاء عندهم إلى اللعب فيقول أحدهم

أرأيت إن حملت قربة من الفساء، و دخلت المسجد أتجوز لي الصلاة؟

(...)

و في مقاربة قوة الفتوى لخط سير الكنيسة فأنا أوافقك، و لذلك السبب بالذات سميت رجال الدين المسلمين رجال العلم بشيء من الدين، فإني أذكر أن من الأشياء التي افترق بها الإسلام عن المسيحية أنه لا يجود لدينا طبقة رجال دين، فذلك منافي لمبدأ المساواة و المثول المتساوي إلى الخالق

المشكلة إننا نحتاج عدم المساواة في السياسة و في الاقتصاد، و ذلك أصلا موجود في القرآن حين قال الله سبحانه في سورة الزخرف: أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سُخريّا و رحمت ربك خير مما يجمعون

و سُخريا من التسخير

و لكن المسلمين بتعظيم الفتاوي و الغلو في الأحكام، يقررون على أنفسهم مصير المسيحية

فأنا اعتقد من فحوى الآية أن مبدأ تحقيق المساواة في الديمقراطية السياسية و الاقتصادية بعد النفط مشكلة كبيرة بحد ذاتها، فالماديات طغت على المعاني و الأخلاق السامية، فلقد كان الكل راضي بحاله، و لكن الآن الكل طموح الناس بالمناقرة و المقارنات المستهجنة

أتتيني من جانب يجعلني أسترسل
آنا اللي أسفة على الإطالة
شكرا

Safeed said...

" الموضوعات "

أحكام فقهية تفصل الخط العام ، تشخيصها يرجع للمكلف ، بمعنى أنها أحكام تحدد لك الخطوط العامة للدين ، و لكن انطباق هذه الاحكام على المسألة التي عندك من عدمها يرجع لك و للأعراف التي تحكم مجتمعك

يُسمى أيضا بحكم العرف .. أغلب للناس للأسف لا يعترفون بهذا الحكم ، يريدون كل شيء مفصلا تفصيلا لسبب ، و هو عجزهم عن دراسة الأمور و محاولة تطبيق القيم التي تعلموها على ما يواجهون لذلك يلجؤون للفتاوى و السؤال بكل صغيرة و كبيرة .. درءًا لتعب التفكير

Deema said...

سفيد

هو بالضبط نفس سؤال الطالبات الشطار
أبلة هذا داخل معانا بالامتحان؟

أوافقك، شكرا