Thursday 22 April 2010

ساهور الأرض

في طريقنا إلى البحر، كان في حجري، و كان يسأل عن كل شيء فسألته إذا كان يريد قصة، فأومأ بالإيجاب. حلت عليّ نشوة الهذيان فأنا لم أمارس الحكي منذ مدة (و إن في كتابتي تفصيلات أكثر مما حكيت و في نفسي تفصيلات أكثر مما كتبت)

مر زمن على ناس يسألون كثيراً حتى هربت الأسباب، و ظلوا تائهين كئيبين في مجاعة الملل. كانوا في صحراء بسيطة، لم يعد مداها يستهوي النظر و لا يغوي الرحالة بالسفر. و في يوم، صعد صبي عمود الكهرباء عازماً السفر إلى السماء، هناك حيث لا يوجد مدى. و في أثناء صعوده وجد خيطاً حريرياً متدلٍّ من السماء من فضاء لم ينكشف بعد فتشبث به و تسلق حتى بان أصل الخيط. فقد كان نسلاً من سجادة رآها الصبي تزخرف السماء و تستر الأرض عن كون فسيح، فيها من رسوم الخلق عجيبها، و من ألوان الحياة بديعها و ما أن وصلها حتى انقلبت موازين جذبه و عينه أخذت مكان رجله. و صار يتفسح على هذه السجادة العظيمة و يتمنظر على ما يتكتل منها و يتشكل و يتحرك ثم يرجع يتسطح ثم رأى أن كائنات هذا النسج تتغازل، فتتقارب لاعبة و تتباعد مداعبة بلا سبب أو أدب، فحادث الصبي غزال ترقص تحت شجرة برتقال أو شيء مثل هذا و اشتكى لها حال قومه، فأشارت عليه أن يذهب إلى الأبّار (صانع الإبر) و نبهته بأن ليس له مكان واحد و إنما يصنع في كل بقعة إبرة و لهذا وجب على الصبي -حسب وصف الغزال- أن يذهب إلى أكبر مَزَل و الذي فيه تتقعر السجادة أو تتحدب

ذهب الصبي إلى الأبّار الذي عَجُبَ عليه أمره، فإن طل عليه من وجه السجادة خرج الأبّار لظهر السجادة و هذا ما كان في حالهما طوال فترة حديثهما، حتى اتفقا على أن يصنع الأبّار للصبي إبرة يخيط بها السجادة بالصحراء حيث يسكن. أدخل الصبي خيطاً في عين إبرته و نزل إلى أرضه الترابية يغرزها في غيرانها ثم يصعد، ثم ينزل، ثم يصعد، ثم ينزل، حتى إذا زادت الغرز و كثرت الخيوط بين السجادة و الصحراء صارت الكائنات تنزل عازفة لحناً من ذات الأوتار التي خيطت بها، فتجمعت الأقوام إثر عذب النغم يلتمسون جديداً و تدافعوا ينظرون ما الخبر، و لكن القادمون من سجادة السماء لم يشرحوا شيئاً و إنما بدأوا يعلمون الناس ألعاباً و رقصات و ما زالوا على ذلك حتى انشغل بعضهم ببعض و قضى كلٌ قضيته و هبّت مع ذلك ريح قوية صيرت صوت الأوتار نشازاً يكاد يصم الآذان، و لذلك رأى الصبي أن يفل قِران الأرض بالسماء و يتركهما للتوازي، فذهبت الكائنات الجميلة عن تلك التي مسحها الغبار راجعة مع الريح إلى مرباها، و انقشع بعد حين خمار الأرض الزخرفي لتلون وجهها بنور الشمس، و منذ ذلك الحين تعلّمت الأقوام كيف يلعبون، و كيف يرقصون

6 comments:

Mohammad Al-Yousifi said...

جبرانية ديما

Someday said...

جنه انتهت فجأه
و لا انا
wanting more

الزين said...

عشت بعالم ثاني

رائع ما خاطه خيالك هنا يا ديما

استكنت على سجاتك
واخذت فسحه من الراحه
وعلمت ان للإبتسامه معان مختلفه

شكرا لك
وشكرا لنص صنع صباحي

:)

Fahad Al Askr said...

ما حكتيه يفوق ما جاء به الأبار والطفل ويوازي ما استمتعت به الأقوام قبل هبوب الريح التي عصفت بالسجادة وبالقصة التي اختفت مع الريح

Deema said...

ma6goog,
:-)

-

someday,
إي بس مليت
:D

-

الزين
صناعة الصباح صعبة، تشرفت بإرضائك بها

-

فهد
هو الهذيان يحيكنا يا فهد

Flamingoliya said...

this is publishing material.