Sunday, 27 September 2009

المذكرة السادسة

تحت الفوانيس المُشِعّة كالنجوم
السور يبرق مثل خط النار. يا ليل الهموم
ستذوب في حدق العيون الساهرات مع النجوم
الحاملات الماء في جراتهن، و في الشفاه
ظمأ الصيام؛
غداً "التتار" سيدخلون مدينتي. أين الرجال؟
عطري سأنضحه على قدم تسير إلى القتال
و ضفيرتي السوداء أغزلها حبال
لسفينة في الليل تبحر بالرجال
هبّي شمال
يا انت يا ريحَ البحار
هُبّي شمال
"للقصر" حيث رجالنا الأبطال. يا وهج
الرمال
يا نار صحراء الجنوب
و أنا وراء السور أسمعها. فأشعر باللهيب
و النار في رأسي تعربد. أين تجار الحروب؟
أين الذين يشوهون الأرض بالدم و الدخان؟
أين الملوك و أين عنتر يا جبال
الكل فان
إلا الحقيقة و الرجولة يا بلادي. و الزمان
أبدا يدور
و المجد و التاريخ للشمس السخية و البدور
و إلى الخنادق يا حِراء
يا خندق الأبطال في الماضي القديم
"الشمري" على الجواد
و القصر تحت الفجر يبرق مثل فجر من رمال
أقوى من الإعصار يا وطن الرجال
و على الجزيرة
بطلٌ أقلّته سَبوحٌ فالعباب
واحات أعناب تظلله. و تبرق من بعيد
سُفُنُ الرجال القادمين من المدينة
جاءوا إذن فالويل للمتلصصين القابعين
تحت الجدار و من وراء القصر و المتسللين
هاهم رجال مدينتي جاءوا على متن العباب
صوت المجاديف الطويلة مثل السنة تقول؛
لا شيء غير الحق. و الأفعى تموت
في البر أو في البحر. و السم الزعاف
كأس الذين بنوا المعابد و القصور على الدماء
جاءوا إذن. فحفيف أشرعة السفائن مثل
أجنحة العقاب
فوق العُباب
الفجر تحمله السفين. فيا شمال
هُبّي سرعا. فالغزاة
ملأوا الصحارى و الوهاد
مثل الجراد
و الفجر أقوى من كهوفهم العميقة. و الحياة
و المجدُ. للإنسان. فاصدح يا هزار
هُزِم التتار
رجل البحار على سفينته و في يده منار
من نور عينيه يُضاء كما النهار
خاض المعارك بالمعاول و الفؤوس و بالحجار
و المجد للإيمان في صدر الرجال
لسفينةٍ رجعت كأن شراعها العالي هلال
و السور تحت الشمس يبرق كالسوار
في جيد حسناء يباركها النهار
مات التتار
يا إخوتي الأبطال قد مات التتار
و البدر يشرق في سواحلنا كلؤلؤة كبيرة
كرسالة بيضاء تحملها النجوم
لعيون موتانا على تلك المفاوز و التخوم

مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١

بحاري الحبيب، قرأت مذكرتك هذه منذ أسابيع، أيام كنا صيام، فلم أستطع رداً، و ما أدركت لك قولا غير صلاة العيون على المدى الضوئي. هبّي شمال! و أراقب الحظرات تتتابع أمام عينَيّ. هبّي شمال! و يرحل الحدّاقة بينها في هدوء.. و خيط الميدار الذي شار بين عصيها يرنو لخط الأفق و يجمع حوله القصيع من وقت لآخر. أتقصد بالسور الحظرة؟ أم هي القصر، و السور هو الأفق؟ يالسذاجة الرموز

أيُّ نارٍ بحاري و نحن في أرض الماء؟ فلا ند لأرضي سوى الرمل و السماء. و نحن بين أنداد الطبيعة نتوازى، تُعَمّرنا الرمال فتهدمنا السماء و يغنينا البحر فتُشقينا الرياح، فهذا يغلب ذاك حتى إذا اختلّت موازين الأسماء و تداخلت المعاني فهمنا أن ما الأفق المهيب حولنا إلا خطاً من نور يعيد تسمية الأشياء فتصير السماء بحراً لتقترب منا أكثر و يصير البحر رملاً ليثبت أقدامنا ثم يحتال الرمل ريحا ليقتلعنا، كخطوط التاريخ تتغير فيها الأسماء لنظن اختلافها، و لكنها مجرد حاجة لتحريك ساكن أياً كان السبب.

بحاري أنت تعلم و هم لا يعلمون، أنت تعلم أننا جميعا آخرون


6 comments:

الزين said...

استمتعت جدا بما سطرتي

والتعقيب كان اكثر من رائع


ديما

بالنسبة لي مدونتج صالون ادبي دائما يضيف لي الكثير


شكرا لك

نون النساء said...

مذكرات بحار



يا ديما
محمد الفايز كنت أجهلهُ
ما تنشرينه من ( مذكرات بحار ) دفعني الى إقتناء ديوانه



شكراً لكِ على المذكرتين

Deema said...

الزين

:)

شكراً، صعب أن أرد على كلام جميل
إلا أنك أعطيتني فوق قدري

-

نون النساء
كله أسميج نون النسوة مادري ليش

أنا أتعرف عليه هنا، و لقد فكرت في أن أختتم قراءتي للمذكرات بمطابقة تاريخية للأحداث التي قال عنها بالمذكرات مع الواقع

و لقد وجدت أيضا في معرض للكتب دراسة نقدية لمذكرات بحار سأرِدها ان شاء الله في خاتمة هذه القراءة

عندما أنتهي من سأبدأ بسلسلة شعرية-تاريخية أخرى من روائع عبدالله العتيبي

الشعراء عندنا يقولون ما يفعلون

Moos the Monk said...

nice camera work you have here! :-p

how's the camera? any good?

Deema said...

moos, hey! thanks :) still trials

i'm introducing myself to her ;p

it's good! and identifies on vlc only 'good enough' _and i love the night shoot, i wish i can deal with the focus manually like in a normal camera from the lens, but it's alright on the touch screen :P

نون النساء said...

waiting for you deema :)