Saturday, 26 December 2009

الُمحْدَثَة

إن الفتوى الدائمة في السعودية شرحت حديث الرسول -صلى الله عليه و سلم- "كل مُحْدَثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار" بأن قسمتها بدعةً دينية و هي إحداث عبادة لم يشرعها الله سبحانه غير ما أمر الله به و هي التي تراد في الحديث المذكور، و بدعة دنيوية و التي يغلب فيها جانب المصلحة على المفسدة و إلا فهي ممنوعة

و لكن لنفرض أن الحياة لا تنقسم لدين و دنيا فكيف لنا أن نفهم هذا الحديث من بُعد آخر، أو بالأحرى البُعد "الكلّي" كما أورد النص؟

لننظر إلى المُحْدَثة بما أنها النقطة التي أقيم عليها الحديث. فالمُحْدَثة -فيما أرى- حدثٌ لا أساس له أو تاريخ أو سبب، مبني على العدم فهو رهن الخيال. و إني أرى أن كل أمر علمياً كان أو دينياً مبنياً فقط على الخيال أمرٌ مبتدعٌ فعلًا و لا يقودنا إلا إلى الضلال أو لنقل الشك، و الضلال في منطق العموم خطأ حتى يستند لبرهان يؤكد صحته، و كما نعلم جميعاً أن الجنة و النار في الدين كالعبارة الصحيحة و الخاطئة في المنطق. فأستنتج من ذلك أن الحديث منطقي و كامل بذاته و لا يتضمن فيه أمرٌ بفعل أو نهيٌ عن فعل و إنما تصنيفٌ لأمر لا يقام على برهان. فمدلول النار هنا لا يرجع للمسافة (الأمر بالابتعاد) و إنما يرجع لنظير المدلول (النار و الجنة)، و قد نقلت من المحاضرة الأخيرة في دار الآثار الإسلامية عن ابن سينا في كتابه الشفاء أنه قال

و أن هذا الشر الجزئي الموجود هو خير لأنه موجود من سبب خير في نفسه حقيقي كلّي فلا يكون إذاً شرّاً

و على ذلك فإنني أعتقد أن العلم و الدين يلتقيان في الكلّيات و ينفصلان في الجزئيات و التفاصيل. و لو كان حديث الرسول عن المُحدَثة أمر جزئي لفصّل فيه كما فصّل في أمور أخرى، و على هذا أيضاً يجب أن نُقِر بأن لا يمكن الفصل بين العلوم و الشعائر على أساس التاريخ الزمني فكل علم مبني على ما سبقه و منوطٌ بما سيأتي بعده و متعلّق بما يعاصره من علوم و تجارب و أحداث

3 comments:

مـغـاتيــــــــــــر said...

هذا النوع من الاستقراء /أو النقد/ يثير اهتمامي

شكــرا يا ديـما :-)




قلتي
"الضلال في منطق العموم خطأ حتى يستند لبرهان يؤكد صحته"

و أقول
حتى البراهين تتغير حسب الأزمنة و الظروف المحيطة لذا "إطلاق" نتيجة البرهان قد يكون أيضا محجم و غير ملائم

و أنا أؤمن أن الأشياء التي يتفق الجميع على خطأها أو صوابها في كل الأزمنة -فقط ما يتفق الجميع عليه- هي أصلا لا تحتاج إلى برهان لأنها تعتمد على الحس الإنساني الجمعي

----------------

مالم أفهمه في الموضوع هو كيف يتفق الدين و العلم في الكليات ؟ و أقصد أي كليات ؟ ربما "يجب" أن لا يتعارضوا لكن أن يتفقوا فلا أرى وجه الاتفاق واضحا في ذهني

لذا أرجو التوضيح

----------------

ملاحظة على الهامش

كنت متواجدة في محاضرة الدكتور يحيى ميكوت ايضا لكني "غفيت" فعلا في منتصف المحاضرة بسبب نبرة صوته التي التي حافظت على نفس المستوى من بداية المحاضرة حتى نهايتها ;p

يبدو أن المشكلة في انتباهي و ليس صوته و الدليل هو نقلك عنه
:-)




أعتذر عن الإطالة في التعليق
تحيــــاتي

Deema said...

مغاتيـــــــــــر

الحس الجمعي لم يظهر من عدم و لهذا فإنه لا يحتاج لبرهان لأن تعميم الرأي ما صار إلا من أصل مبرهن

و إنه كما قلتِ أن البراهين و مناهجها تتغير طبقا لترتيبنا للتاريخ أو مع كشف المزيد من أخبار الزمان

و إن كل ما ثبت صحته دائما عرضة للرد (كما قال ميشوت عما ذكر ابن سينا) و هذا الموضوع لن أكتبه إذا لم أكن أؤمن بهذه الفكرة
:)

أقصد بالكلّيات الفِكَر العامة فهي ليست مخصوصة بمسألة و وضع و زمن معين و لكنها مسائل اتفق عليها الناس لمدة طويلة و ما زالت تتفق و هي تخص علاقات الأشياء بالأشياء من غير الأخذ بالنسبة الشخصية أو الزمنية، فيأتي شرحها بنيويا و ليس معنويا

أتمنى إن كلامي صار أوضح :)

كانت المحاضرة روعة

Anonymous said...

First sorry to intrude, second I really like your piece, although I'd like to say that science is "what you make of it" It could be an instrumental undertaking without real direction or it could itself be a spiritual project, for me, science is the most important way to infer the existence,powers, and beauty of Allah, how else one can know Allah in this age but through Physics, Chemistry, and Biology, and I dare to say Sociology!

With a bit of appreciation of the multidimensional reality of existence a lab can feel like a mosque :)