Tuesday 6 July 2010

المذكرة التاسعة

لا، لا تقولي رحلتي كانت طويلة
ما زلت أذكر كل شيء عنك يا طيبة الجميلة
إني دفنتك في فؤادي
بين أضلاعي العليلة
لا في التراب. و قد أجسك حين أمسك
كل شيء في جواري
القرط يحمل ليل شعرك و المواقد حرَّ ناري
حتى ثيابك لا يزال عبيرها عبقاً بداري
صندوقك الهندي ذو الأصداف و الحق الصغير
قبران لي و لقلبي الدامي الكسير
يا للملاءة و العباءة غيمتان
في أفق أيامي و ما أحلى السواد
لما يوشحها، ستذبل يا فؤاد
كعيونها. ويح الرمال
كيف احتوتا، و الوجود
قد كان يصغر أن يضم حبيبتي لما أراها
خرز القلادة أفق نجم فوق نهديها تناهى
أو دورة القمر الذي قد شع محترفاً فتاها
أين الشفاه العابقات كما الزنابق في رباها؟
و رداؤها العربي حين تخيطه ليلاً يداها؟
يا ليتني مسرى الخيوط و إبرة حملت شذاها
أين العيون الحاملات
ضوء المسارج حين يغرقني سناها
أين الشفاه العابقات؟
بالطيب و الجمر الشهي المثقلات
بالنار و العطر الذي هيهات تحمله الورود
في كل غابات الشمال أو الجنوب
أواه يا موتي. و قبل مماتها ما قلت آها
فيم البقاء و عالمي في قبرها الرملي تناهى
قال الصحاب غداً سنبحر فاستعد إلى القلوع
فأجبتهم: كل البحار
بحدود قبر عبر هاتيك القفار
الرمل يرضع شعرها و يمص أيامي العِذاب
يا ليت أعماقي تراب
بدل الرمال العابقات على ثراها يا رفاقي
في البحار
أمس كرهت الرمل و هو لظى و نار
و اليوم أحببت الرمال
العابقات بعطرها و كرهت محار البحار
و العطر. كل جواهر الدنيا و أعناق النساء
فحبيبتي ماتت و لو أن الحبيب
محارة لسكنت أعماق البحار
لو أنها نجم لكان الليل أجمل من ينابيع النهار
ليس الجفاف بأن تعيش مع الجفاف
إن الجفاف بأن تعيش بلا حبيب
و الأرض لولا الحب قبرٌ من جليد
ويح الحِمام
أيكون بطن الأرض أحنى من ضلوعي
و الحجار؟
و لِمَ البقاء و كل شيء للفناء؟
العطر و الضحكات و العبث المحبب و الهناء
ضوء النجوم من العيون الحالمات
تحت الثرى. و من الشفاه الذابلات
عطر البنفسج و الورود العابقات
ويح الحياة
تعطي القليل لتأخذ الشيء الكثير
من رحلة العمر القصير

مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١

بحاري الحبيب، يبدو أن مذكراتك تزورني بتاريخ حاجتي إليها، فها أنت تسهب في الرثاء في أيام ألطم بها على الأحياء، و أحاول فيها تفجير عيون أُخَر من وجهي الصحراوي، ثم تُدفن الأشياء في الجسد النابض حالما يُدفن الجسد الهالك في بطن الأرض

كيس حناء
علبة بخور
مشط عاج
سوار من لؤلؤ
ثوب رش المطر

تؤدي العطور طقوس الحياة الأليفة لتستعيد دواخلنا رهبة الحضور؛ مخاضه الوسواس، و ولادته الإيمان، و لفيفه الصمت، ثم نحتجب وراء الطبيعة و نرسل ملابسنا بشتى المقاسات و الألوان لتمثل واجبات المجتمع و قوانين البقاء

بحاري نحن لا نموت، و لكن نتوارى تحت الثرى




3 comments:

moayad said...

مذكرات بحار يعتبر من روائع الإنتاج الأدبي الكويتي.. بل العربي الحديث

و لكني متأكد بأن الديوان لم يكتب عام 1986 ، فهو صدر خلال الستينات

Deema said...

مؤيد

شكراً، أنا كنت ماشية على الطبعة اللي أملكها و لم يكتبوا أي طبعة و فيها الأعمال الكاملة فوضعت تاريخها مرجعاً، لكن لما أتاني تعليقك بحثت في كتاب آخر عن محمد الفايز و وجدت أن مذكرات بحّار كتبت عام ١٩٦٢

شكراً
:)

TaZmaNiA said...

شكرا على عرض مذكرات بحار روعة بالجمال الادبي