Friday, 3 July 2009

المذكرة الرابعة

أنا ما رأيت
لكنني ما زلت أذكر نار موقدنا بمنزلنا القديم
و حديث والدي الضرير عن الحياة
و عن الحروب. حروبنا ضد الغزاة؛
الأرض قاحلة هنا حتى الذئاب
تخشى ظهيرتها. و لكن الملوك
و الترك و الألمان و المتسللون
باسم الحضارة و الحماية. هؤلاء المدعون
كم حاربونا بالأساطيل الكبيرة. و الجنود
يترصدون شراع غواص يعود
كي يغرقوه
كي يقتلوه
يا قارب الصياد إياك التوغل في البحار
فالبحر مثل الأرض ملك الأقوياء
و الدر للحسناء نجمعه و نحن إلى الشقاء
و يروح والدي الضرير
يبكي و يسعل. و الدخان
يندس في عينيه في البيت القديم
و نروح نسأل المزيد؛
يا والدي ماذا رأيت؟
يا والدي لِمَ قد بكيت؟
و يظل يسعل ثم يجهش في البكاء
و يقول كنا! أقوياء
كنا أمام هجومهم مثل الرمال على العيون
مثل الظهيرة في بلادك يا بني
مثل المنون
أنا ما رأيت
لكن والدي الضرير
قد قال لي هذا بمنزلنا القديم
و أروح أسأل: ما الذي ببلادنا غير الرمال؟
و يجيب والدي الضرير عن السؤال؛
لابد للأظفار من شيء تمزقه. و مَن حَمَل
الحِراب
أبداً يفتش عن رقاب
و الأرض تمنح عندما تجد الرجال
أنظر. و يكشف والدي عن صدره الواهي
الضعيف
و أرى الندوب كأعين الموتى كأوراق الخريف
في صدره الواهي الضعيف
و يروح يلمسها كآثار قديمة
بأصابع مثل العيون
تفلي مكان الجرح. تعرف أي تاريخ حزين
في كل جرح. و الجراح
فخر الرجال
كالوشم في الحسناء. يا وطن الظهيرة و الرمال
الموت و الجدري أرحم من قراصنة البحار
و ذراك أرفع، و الجميع إلى الزوال
إلا النجوم
و الشمس و الأقمار و السور العظيم
يا نار موقدنا بمنزلنا القديم
ما زال دفؤك في عروقي مثل آثار الجراح
في صدر والدي الضرير
قنديل عينيه أضاء لي الطريق
و جراحه مثل الهوامش في طريق الشمس. يا
وطن البحار
يا عندليب الفجر يا عطر القرنفل يا سماء
الرمل أورق بالدموع و بالدماء

مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١


بحّاري يا نور عيني، تلطّف أرجوك على خاطري المُبْعَد الحزين، و تعال تلمّس رمال بلادي و تدفّى؛ هي جرح البحر القديم و في البحر لا يبقى جريح. الجرح مساحة للشك على أجسادنا و الجدران التي نعيش بينها، و البحر لا يقبل جريح.... لهذا كانوا أقوياء

يالها من دموع هذي التي تنحدر من مقل خلت من نظر، فبقيت لنا محض عيون نرتع منها الألم و نستدر منها عاطفة الشمس في أطلال نورها، لنذكر، و نتذكر، و نتذاكر، ثم نذاكر

بحّاري عيوننا المدهوشة على صدر والدك كعيون الشمس حارت على الرمال، فلابد أن نبني لنهتدي، لابد أن نبني لتهتدي شمسنا إلى ظلال و يهتدي الحبيب إلى عباة حبيبته. و عُد إليّ لنهرب بين الندوب إلى مكان فيه نختبي، إلى مكان فيه نلتقي بعيدا عن قراصنة الفلوس و عن حماة الأرض الذين لفّقوا كذبة الوطن..... ثم أبْحِر حبيبي عن كل شيء

فإذا ارتاح بومك، يرتاح البحر من الحياة

4 comments:

The Simper said...

و الأرض تمنح عندما تجد الرجال


she is still giving, without them being there!! how generous she is!

Deema said...

The Simper

لو كانت أذكى شوي

The Simper said...

we have to live with her blind generosity. yet, we are not supposed to take advantage of it!

Deema said...

we have to live normally, instead of living to the limit of her generosity!