Sunday, 16 May 2010

المذكرة السابعة

كصرير أبواب القلاع
في الفجر كالآهات في ظلمات قاع
كدوي رعد فوق مقبرة بعيدة
كرنين أجراس عتيقة
أصواتنا فوق السفينة حين نبحر. و النهام
كغراب حارات قديمة
يشدو بألحان حزينة
للبحر و المحار: أبحرت السفينة
و غداً نعود لكم أحبائي على شاطئ المدينة
حاراتكم فوق الرمال و نحن في ليل البحار
ضوء النهار نصيبنا منه الظهيرة و الجُثام
و من الشموع دخانها، صوت النهام
قيثارة بحرية ألواحها الثكلى عظام
من صدر مسلول: تعالي يا حذام (١)
قد قلتِ صدقاً ليس يفهمه الأنام
بيتي أحب إلي من قصر يقام
في وسط مزبلةٍ. تعالي يا حذام
و يظل ينهم ثم يبكي. و المجاديف الطويلة
تحت الضلوع الناتئات
تحت البطون الخاويات
رفسات عفريت تخبط. و البحار
فيها العجائب. مهد طفل من حجار
قبر بلا لحد. عراة يغزلون
إكليل عرس. سندباد
تحت المياه يعيش كالأسماك. سقراط الحزين
و الكأس و القمر الجميل
كالبيت يسكنه. حفاةٌ يصنعون
نعلاً من الفيروز غابات مخيفة
للنجم و الأقمار. مقبرة كبيرة
أمواتها يتحركون
و يدي و مجدافي و صندوقي العتيق
هم عدتي في البحر يا وطني الحبيب
يا أيها الرمل المعطر بالدماء
يا موطن الصياد و البحار يا خبزاً و ماء
أصواتنا فوق العباب وراء هاتيك القلاع
كصرير أبواب القلاع
كدوي رعد فوق مقبرة. كأجراس عتيقة
في الليل تقرع. و السفينة
وسط العباب
"كسدوم" أو "روما" التي شب الحريق
فيها ليطرب ذلك المجنون. يا ريح البحار
نام النهام و في الصدور
مات التشبب و الحنين
مثل البراعم
أوراقها يبست عليها. و الحناجر قد تموت
إلا الأغاني سوف تخلد يا بلادي. يا رياح
سيكون بطن الحوت قبري. و الحياة
قد تنتهي إلا العذاب
يبقى كما تبقى الطلول
بعد الزلازل. فالمهود
مثل القبور
و الشمس تغرب مثل حسناء تموت
و البدر يذبل مثل قنديل تكسر. و الجبال
تنهار كالجدران. حتى الأرض تقلقها الزلازل
و الرياح
إلا البحار
تبقى لتبتلع الجميع
كالحوت حين يجوع يا طوفان نوح
يا حكمة الدنيا القديمة
في البدء كان البحر لا الكلمات، يا تلك
السفينة
أبناء "نوح" فوق متنك يبحثون
عن ساحل و أنا أفتش عن محار
ذهب الغراب و لن يعود
إلا غرابي عاد كالمطرود في وضح النهار
كرسالة سوداء يعلوها الغبار

مذكرات بحّار ١٩٦٢ للشاعر محمد الفايز ١٩٣٨-١٩٩١

بحاري الحبيب، باسم الصوت أبدأ كما بدأتَ، كما عزفت بعد الكاف، عن قلعة حاكم سكان المقبرة، هم تحت الأرض يزرعون نعلاً لا تمشي. و ينظمها إيقاع أجراس عتيقة نسيت مواعيدها. جدرانها الريح، جدرانها خمار حسناء تموت كل يوم تحت قنديل تكسر. حسناء من نار خَلْقُها تتمنى أن تكتب رسالة لا تحترق أو تسمع لحن جنازتها قبل موتها. أزورها كل يوم أجمع العظام لعلي أستطيع أن أصنع منها قيثارة أورفيوس العجيبة، لكن الضلوع تتنافر حسب اعتيادها العنيد، فأعتذر منها كل يوم على جهلي و قلة حيلتي، و لكني أعدها بالعودة في غد آخر، لعل الضلوع ترضى بمسافة أقرب

بحاري الحبيب، هو لحن صناعة اللحن ما أسمع

(١) إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام

1 comment:

Deema said...

تمت مراجعة الموضوع
على من قرأه عصراً أن يعيد القراءة
:)