Friday 12 June 2009

قصة الخَلْق ٣: المدينة الجنة

قصة الخَلق ١
قصة الخَلق ٢

بناءً على ما تقدم ذكره من شرح بسيط لما كان من أوضاع و قرارات شكلت هيئة المدينة و أثرت على سكانها. نستخلص أن في تلك الفترة التي بدأت الكويت فيها بإعادة البناء كان المعماريون الأجانب في فترة إعادة تهيئة العديد من المدن الأمريكية و بعض المدن الأوروبية. و في ظل ذلك ظهرت رؤى قد تكون غير قابلة للتصديق عن مستقبل المدينة موازية لأعمال التغيير الجارية في المدينة. قد تكون هذه الرؤى قريبة من واقع تلك المدن و لكنها للكويت كانت أقرب للأحلام نسبة للحياة التي يعيشها سكانها الذين كانت صناعة الأجود من السفن البحرية مصدر قوتهم و عليه تدور رحى التجارة بين الخشب و اللؤلؤ و الأقمشة و الأسماك.

فيقيس الإنسان الكويتي الأمور بتجاربه عوضا عن المنطق العام الذي ظهر مع التعليم المشترك. و على ذلك شكل اختلاف التجارب الفردية مع توحد البيئة نوعا من التجانس السهل الممتنع يوظفه توزيع حضري ناتج عن طبيعة الحال عمليا في قرب البيت من الدكان و فنيا ببيوت تُشكل السكك و تدل على حماية من بالداخل و ذلك ليس بالضرورة بسبب التدين فالدين لا يمنع أن يكون البيت سهل الدخول كما أنه واضح أن العائلة الكويتية الواحدة تسكن بجانب بعضها فما المخافة على الدين إذا المحيط من الأهل؟ فأليس من الأرجح رد السبب لغياب رب الأسرة طويلا عن البيت لسفره في طلب الرزق؟

إن رسومات لِما لم يرَ الكويتي من قبل صارت جنة في نظره، لنرَ هذا الذي لم يخطر على بالنا و لم تره مرائينا. و بدأ التطوير على أساس الشوارع؛ شارع فهد السالم، و الشارع الجديد، و بذلك كانت المرجعية في تخطيط المدينة نسبة للشوارع ثم المساكن و بالتالي بدأ التصميم للسيارات قبل الناس. و للشوارع قبل المباني بفكرة هلامية مفادها أن الناس سيسكنون حول المدينة لا فيها. و هدمت مدينة الكويت بيوتها و سكن ناسها في المناطق السكنية الجديدة التي فيها شوارع و أراضي ليبني عليها المواطن جنته و ليبتعد عن المدينة و ضوضائها و التي ينزل لها بسيارته متى شاء ليقضي مصالحه اليومية أو لمقر عمله كل صباح

ثم ظهرت فجأة مشكلة المواقف التي لا تسع للعاملين في المدينة، و قيل نريد المزيد، و لكن هل فعلا نحتاج المزيد؟ ازداد تكاثف العمالة الوافدة للسكن فيها رغبة في القرب من مكان العمل و توفير وسائل المواصلات. حتى صارت الدكاكين في المدينة تخدم الساكنين فيها، و الآن أين يتسوق الكويتيون؟ فتم بناء شوارع أخرى داخل المنطقة تسمى جمعية تعاونية تخدم أبناء المنطقة و لكن ليست مكان عملهم و لا تغطي كل الاحتياجات فنشأت شوارع أخرى في المناطق المُدرجة تحت التقسيم التجاري مغلقة للتهوية و تسمى مجمعات تجارية و تضم هذه الشوارع التي على شكل مبنى مجموعة واسعة من المواد الاستهلاكية، و لكنها أيضا ليست مكان عمل الكويتيون

أين يعمل الكويتيون؟ في مدينة الكويت أو في مراكز التعليم في المناطق السكنية، أو في أحد المناطق التجارية في الكويت. لنتخيل الآن المدينة على أساس هذا الترتيب للأحداث؛ مدينة مكتظة بالناس صباحا، مظلمة إلا من بعض الشوارع التي لا تمت بالكويتي بصلة مساءا نتيجة متوقعة و معروفة. فكرة سكن الكويتيون داخل المدينة فشل في مشروع الصوابر و الذي خصص للمطلقات من النساء، فلا يعيش فيه كويتيون الآن، لماذا يخصصون مساكن للمطلقات فقط؟ و لماذا يصمم على شكل مجمع سكني؟ هذه أسئلة تحدد سبب فشله فلا يجب أن نعمم و نقول جربنا و فشلنا و نسكت عن سؤال لماذا

إن حياة المدينة منتعشة ليلا في العديد من الدول المتحضرة و السبب لا يتعدى أن الناس تسكن في المدينة و على شوارعها الرئيسية و بين المكاتب و مقار العمل -لا في مجمع سكني في المدينة-، و المحلات التجارية على شوارعهم تعكس حالة الساكنين الاجتماعية و المالية و المهنية. فأنا لا أرفض السكن في شارع لأنه يبيع ما لا يليق بي و إنما لأنه الشارع القريب من عملي، و مع تزايد هذا الأسلوب في التفكير يتحول تفكير التاجر إلى استيفاء مراد المار من محله و قد يبيع محله و ينتقل لعدم وجود زبائن، فاستقرار التجارة محكوم باستقرار الساكنين و الرواد

إن غياب الوعي لأسلوب الحياة السكنية جعلنا نسكن في مناطقنا السكنية بما نظنه بيتا إلا أن طوابقه مقسومة لعوائل مختلفة و لو كانوا إخوة. إن المناطق السكنية اقتُرحت لتوفر الجنة أو بيت الأحلام، و أي تفكير في جعلها طوابق أو شقق منفردة تعيش بها عائلة حديثة الزواج فهذا رأي يعزز فكرة العيش في المدينة، أظن لو تتوجه الحملات الإعلامية نحو هدف ملموس يعين على حياة مريحة فتنشر الوعي إلى إمكانية السكن في المدينة، أو إمكانية استغلال الباصات سأكون شاكرة أكثر من تدخلهم في أخلاق المواطن و التي هي مسألة نسبية و غير قابلة للقياس

إن تخطيط الكويت يجعل الناس تستمتع بالقيادة بالشوارع مثالية التصميم، الواسعة المنظمة أكثر من التجول على الأقدام لعدم منطقية المشي في هذا التكوين الحضري الذي يضمن الأولوية للمار بالسيارة

4 comments:

Safeed said...

هناك مقولة تصف المجتمعات الحديثة تقول بان المدن تبنى أولا بالحانة ثم بيت الدعارة ثم السجن لإلقاء الثملين و حينما يصبح هناك سوق ياتي رجل الدين ليجمع التبرعات ليبني دار العبادة بطلب المؤمنين الذي أتوا لهذه المدينة!

هذا التصور صحيح كمدن الغرب الأمريكي توضع لخدمة الناس لأنها بهم تحيا و دونهم تموت لذلك هي تركز على خدماتهم .. فالحاجة الإنسانية قبل حاجة (المدينة) دائما

نحن في الكويت لم نكن نملك تصورا للمدن اقتبسنا فكرة الضواحي السكنية المطبقة في الغرب (شاهدتها كثيرا هناك) و لكن كان الاقتباس فاشلا .. هذه الضواحي بنيت هناك لصنع جو (الأسرة) المفتقد و ليس جو العمال (بالمفهوم الرأسمالي و ليس الشيوعي الشمولي :) ) .. بقيت المدن تحتضن الحياة حتى تحتفظ بعمالها و ذهبت الاسر للضواحي .. الـ(داون تاون) غالبا يشير ما بعد الساعة السابعة إلى (الحياة الليلية) هناك ..

نحن لا نملك هذه الحياة لذلك كان فصل الأسر عن المدن و اماكن العمل هو مجرد تقليد لا أكثر .. لذلك ماتت عندنا المدن

انا لا زلت استغرب في الحقيقة توسع (الضواحي) على حساب المدن .. مما ولد ثقافة (النفور) من سكن الناطق المختلطة .. نادرا ما يوجد كويتي يقبل أن يسكن في السالمية او حولي او شرق .. فهي مدن تجارية و ليست "سكانية" .. لذلك هم ينفرون حتى من مجرد التفكير بالسكن في المدن الجديدة التي سيتوافر فيها العنصر التجاري و السكني (مدينة جابر كمثال) .. لان المفهوم الذي زرعته الحكومة اصبح من الصعب التخلص منه الآن

أظن أن مفاهيم الضواحي و المدن و علاقة هويتها بالإنسان بحاجة للنظر كما تفضلت .. فالكويت اصبحت تشكل حالة فريدة في تكوينها الحضري


شكرا

بومريوم said...

من اجمل ما كتب عن التطور المدنى فى الكويت

الشى الذى لم أجد له تفسير هو تثمين الاراضى ثم تركها مهجورة من منتصف الخمسينات الى ال2005

شارع فهد السالم له رمزية شاعرية..يستقبلك على مدخلة من اليمين معرض الرولز رويز و من الشمال الشيراتون..براى ان المدينة حتى منتف السبعينات كانت واجهة الكويتيين الثقافية و الاجتماعية..لا اعرف ماالخلل الذى حدث بعد ذلك فاضحت نيودلهى الصغيرة..

المدينة لازالت تحمل بوتينشالز لتصبح مركز اشعاع ثقافى..بس محتاج فكر و عزيمة

هناك منطقة خلف المكتبة الوطنية اتمنى لو ان الحكومة تثمناه و توزعها على الفنانين كمحترفات فنية

ادرى انى شطيت عن الموضوع..بس البوست مستفز:)

Deema said...

سفيد

عجبني المثال الذي ذكرته في البداية، أعتقد أنها تبين أهمية وجود علاقات واضحة و صريحة بين المؤسسات الخاصة بالدولة، تجعل التمازج على أساس من السببية

إن فكرة الضواحي أصلا تعرضت لنقد كبير حتى في الغرب. و أعتقد أن قوانين البناء كأرقام و حدود جعلت الناس في الكويت يستخدمون الرقم كمساحة بناء لا الأرض كمكان للعيش

و ترى الديرة كانت مرفأ، تأتي من خلالها البضائع و تباع، و هذا يؤكد أنه لابد من اختلاط الجنسيات في مكان بحري
كهذا.

-

بومريوم

شكرا :) المشكلة بهجرها أن هذي البيوت المهجورة هي "بعض" من البيوت التي ثمنت و هدمت خارج نطاق مشروع تعديل الطرق. لو أن التثمين الحكومي كان انتقائي على حسب حاجة مشروع التطوير فقط، لتم الهدم تدريجي و على بعض الأماكن لا جميعها، و جان ما تحسفوا و ردوا بنوا مدينة تراثية مالها علاقة بالمدينة القديمة، و لصار عندنا مجموعة من الفرجان التي قد نستغلها و نرممها كورش فنية و معارض للفنانين مثلما تفضلت، و جان ما نطرنا مستثمر ياخذها و يعدلها

و الله ما أنسى كلام الحلاق الباكستاني اللي قابلته بالمرقاب، يقول إحنا مثلكم ما نبي الديرة تصير هالنمونة كل شي عتيج لا في صيانة حق المباني اللي فيها و لا هي واجهة عدلة حق الكويت، و لا عاجبنا تكود هالبنغالية عشرة بشقة واحدة

.. تدري إن وزارة الاسكان ما تسوي تعداد سكاني لغير الكويتيين اللي ساكنين الديرة؟؟

Deema said...

بخصوص موضوع التثمين، أعني انتقائي في الهدم فبالإمكان تثمين كل البيوت التي بالمدينة و لكن للحفاظ على ما لا يمس المشروع التطويري كمنطقة تاريخية